كان جدي يرفض أن تُعالجَ إصابات كسور العظام عند طبيب العظام، ظناً منه أن العضو المصاب إذا ما وُضع عليه الجبص يتعفن ثم يأمر الطبيب ببتره.

وعندما أُصبتُ بكسر في فخدي اليمنى –كنت في الخامسة من عمري- بعد سقوطي من سيارة مسرعة لم يُحكم إغلاق بابها الخلفي، لم يفلح أحد في إقناع جدي بضرورة وضع الجبص عليها، ورفض رفضاً باتاً جازماً حاسماً الذهاب بي إلى المشفى، وأصرَّ على علاجي عند من يُسمّى باللغة الدارجة بِ"المُجبّر".

لم يكن في مدينة "جنين التي نعيش فيها "مجبّر"، ونما إلى علم جدي وجود "مجبّر"في قرية "عرابة" يكنّى أبا مصطفى. ورغم أني أُصبت بالكسر في منتصف النهار إلا أننا وصلنا بيت أبي مصطفى مع العِشاء، وأنا أُقاسي من شدة الألم الذي أخذ مني كلَّ مأخذ.

ولمّا كان أبو مصطفى شيخاً طاعناً في السن طلب أن نبقى في "عرابة" لمباشرة العلاج لأنه ليس باستطاعته القدوم إلى "جنين" كل يوم، وتبرع شقيقه أبو الصادق –جزاه الله خيراً- باستضافتنا في بيته طوال فترة العلاج، فبقيت أنا وأمي في بيته فترة ليست بالقصيرة.

بعد مضي أكثر من عشرين يوماً من العلاج بدأ العظم بالتماسك، لكن أبا مصطفى اكتشف اعوجاجاً في رجلي، فما كان منه إلا أن وقف عليها وأعاد كسر العظم مرة ثانية ليباشر العلاج من جديد. كل هذا تمَّ دون إي نوع من التخدير، رغم بلوغ صراخي عنان السماء.

عندما تماثلت للشفاء عدنا إلى "جنين"، واستغرق الأمر شهراً آخر حتى شُفيتُ تماماً.  ولا أنسى أن جدي كان يحضر لي ما لذَّ وطاب من الطعام، فكان الآخرون يحسدونني على ما أنا فيه من نعَم وخيرات، دون التفات إلى ما عانيته من ألم ومشقة.
بقلم نجم رضوان