إِنْ حَيَّرَتْكُمْ مونَاْليزا الْغَرْبِ *** قَدْ حَيَّرَتْني مونَاْليزا الْعُرْبِ
ماذا تَقولُ عُيونُها لِيَراعَةٍ *** ذَرَفَتْ عَلى الْحَدْباءِ دَمْعَ الْقَلْبِ؟
ماذا تَقولُ النَّظْرَةُ الْحَيْرى لَنا *** هَلْ أَوْمَأَتْ بِالسُّخْطِ أَمْ بِالْعَتْبِ؟
أَأَرى ظِلالًا لِابْتِسامٍ ساخِرٍ *** أَمْ أَنَّهُ أَمَلٌ بِوَقْفِ الْحَرْبِ؟
في أَيِّ دَرْبٍ ضاعَ قُرْطُكِ يا ابْنَتي؟ *** قَدْ ضَلَّ عَنْ مَهْوى قُروطِكِ دَرْبي
وَعَلامَ شَعْرُكِ لَمْ يُصَفِّفْهُ النَّدا *** وَالشَّمْسُ ما اكْتَحَلَتْ بِأَجْمَلِ هُدْبِ؟
إِنّي أَرى في الْوَجْهِ قِصَّةَ أُمَّةٍ *** غَرِقَتْ نُجومُ سَمائِها في الْكُتْبِ
رَسَمَتْ مَلامِحَهُ نَذالَةُ ثُلَّةٍ *** ما حَكَّمَتْ في النّاسِ شَرْعَ الرَّبِّ
كَمْ ثَقَّبَتْ ثَوْبَ الْعِراقِ فَجيعَةٌ *** حَتّى غَدا ما فيهِ مَوْضِعُ ثُقْبِ!
ماذا أُرَتِّقُ بِاللُّحونِ وَخافِقي *** أَمْسى كَغِرْبالٍ لِنَبْلِ الْكَرْبِ؟!
كَمْ مِنْ سِهامٍ بِالْيَراعِ سَأَتَّقي *** عَنْ شَغْفِ قَلْبٍ عامِرٍ بِالْحُبِّ؟
وَسَطَ الرَّبيعِ تَساقَطَتْ أَحْلامُنا *** تَتْرى، بِريحٍ صَرْصَرٍ، في الْغَيْبِ
ما زالَ يوسُفُ في غَيابَةِ جُبِّهِ *** أَمّا الْعِراقُ فَبَيْنَ فَكَّيْ ذِئْبِ
وَإِذا سَأَلْتَ عَنِ الشَّآمِ فَأُهْدِيَتْ *** أَحْلى الْكُرومِ بِها لِأَجْشَعِ دُبِّ
وَسَطَتْ عَلى صَنْعاءَ شَرُّ عِصابَةٍ *** أَخَذَتْ سَفينَةَ بُنِّها بِالْغَصْبِ
وَالْعِجْلُ عادَ يَخورُ في مِصْرَ الَّتي *** نَسَفَتْ خَيارَ الشَّعْبِ بِاسْمِ الشَّعْبِ!
وَبِليبِيا يَتَصارَعُ الْإِخْوانُ في *** حَرْبٍ وَلِلْضِّبْعانِ جُلُّ السَّلْبِ!
وَبَقِيَّةُ الْأَعْرابِ يَنْتَظِرونَ كَيْ *** يَسْقيْهُمُ الْأَعْداءُ نَفْسَ النَّخْبِ!
يا قَوْمِ، ذي أُمُّ الرَّبيعَيْنِ ارْتَوى *** فيها الْأَسى بِدَمِ النَّجيبِ النَّجْبِ
وَهَمَتْ دُموعُ الماجِداتِ كَأَنَّها *** دَمْعُ الْغُيومِ هَمى لِرَيِّ الْعُشْبِ
قَدْ أَبْصَرَ الْأَعْمى دُموعَ نِسائِها *** وَصَغى الْأَصَمُّ لِنَشْجِها وَالنَّحْبِ
إِنْ لَمْ تُغيثوا ذي الْحَرائِرَ أَبْشِروا *** في عُقْرِ دارِكُمُ بِصَوْتِ النَّدْبِ
كانَ الْعِراقُ السَّدَّ في وَجْهِ الْعِدا *** فَهَدَمْتُموهُ بِلا حِجًا أَوْ إِرْبِ
حَتّى إِذا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ عُصْبَةٌ *** مَأْفونَةٌ لُذْتُمْ بِقَرْنِ الْغَرْبِ!
ما ثَمَّ ذو الْقَرْنَيْنِ في قَوْمي سِوى *** كَبْشٍ يُغَرِّرُ جَرْسُهُ بالسِّرْبِ
غَرَسَ الْعِدا بَذْرَ الشِّقاقِ بِأَرْضِنا *** وَالْخُلْفُ كانَ جَنى السِّنينِ الْجُدْبِ
وَأَعادَنا لِلْجاهِلِيَّةِ جَهْلُنا *** نَحْيا عَلى سَلْبِ الْوَرى وَالنَّهْبِ
وَلَكَمْ تَمَسَّكَ بِالْقُشورِ شُيوخُنا *** إِذْ أَهْمَلوا ما نَشْتَهي مِنْ لُبِّ
وَغَدا التَّعَصُّبُ لِلطَّوائِفِ شِرْعَةً *** وَلَكَمْ تَعَصَّبَ جاهِلونَ لِحِزْبِ
وَكَمِ الْتَقى قابيلُ قابيلَ الَّذي *** ما قالَ: أَبْغي أَنْ تَبوءَ بِذَنْبي
فَكِلاهُما لَمْ يَحْتَرِقْ قُرْبانُهُ *** إِذْ لَمْ يُقَدَّمْ خالِصًا لِلرَّبِّ
فَمَتى نَعي أَنّا جُعِلْنا أُمَّةً *** وَسَطًا لِنَنْشُرَ دينَنا بِالْحُبِّ؟
وَمَتى نُرى رُحَماءَ فيما بَيْنَنا *** وَعَلى الْأَعادي حَدَّ سَيْفٍ عَضْبِ؟
وَمَتى سَيَرْجِعُ لِلطُّفولَةِ وَجْهُها *** وَمَتى سَتَبْسِمُ مونَاْليزا الْعُرْبِ؟
____________________
جواد يونس