أذكر في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، أن موضة الباحثين من أبناء جلدتنا عن مكان تحت الشمس من أجل الوصول إلى القيادة كانت أن يهاجم الشخص المعتدي "حماس"، تلك الحركة الإسلامية المقاومة التي انطلقت في حينه في فلسطين، وكانت صور العدوان تأخذ أشكالاً وفنوناً مثل: خطف أحد أبناء حماس وتحطيم رأسه، أو حرق بيته، أو تمزيق راية خضراء، أو مسح كلمتي "إلا الله" من شهادة التوحيد المكتوبة على حائط لتصبح "لا إله"، وأذكر أن راعياً للأغنام أميٌ جاهلٌ يعيش في قريةٍ شمال الضفة الغربية، كان يفكر بطريقة غريبة، كان يقول: أنا وطني إذا تسقط عني الصلاة، ويخلف عليي إني وطني، وقد استخدم أقصر طرق العدوان المعروفة في حينه ليصبح قائداً، ذهب الراعي ومزق رايةً لحماس، انتفض ابناؤها وهم قلة قليلة في تلك المنطقة وقاموا بضربه لينقل لاحقاً إلى المستشفى، اجتمعت القرية لزيارته في بيته، وخرج بعد يومين قائداً، وأصبحت أشاهده بعد ذلك رجل الميدان الأول، يضع اللثام على رأسه ويحمل مكبر صوت والكل يعرفه شكلاً وصوتاً.
 

وفي هذا الزمن عمت وطمت البلية فالمستوزرون مثل وزير أوقاف فياض المدعو الهباش، الذين همهم الوحيد إرضاء أولياء نعمتهم، والحفاظ على أجواء موتورة مسممة لإبقاء حالة الانقسام في سبيل الحفاظ على وزاراتهم، أصبحوا يقومون بنفس دور راعي الغنم، لكن موضة اليوم أصبحت أعم لتشمل الحرب على الإسلام والمسلمين وبيوت الله وعلماء المسلمين في كل مكان، ولن أكون ظالماً إذا قلت أن الهباش هو العنوان الميداني الأول في العدوان على الاسلام والمسلمين في فلسطين وقد قَبِل بهذا الدور الآثم، وهنا لا أستثني الكثير وعلى رأسهم رئيس وزرائه، لكنك أيها الهباش أنت من يظهر في الصورة دائماً ولا أريد أن أستخدم تأدباً سوى كلمة أنك "بوز مدفع"، ومن قبلك كان العنوان البواطنة واتهم سادة الأمة بأنهم القرامطة، فكان الجزاء أن اختفى البواطنة بعد أن ملأ بطنه بأموال حجاج بيت الله الحرام.
 

واليوم أيها الهباش تخرج علينا بوجهٍ غاضب تهاجم سادة الأمة، والغريب يا هباش أنني لم أسمع أنك انتفضت يوم حُرقت غزة، ولا نراكم تغضبون وتشيحون بأيديكم وتتحلفون وتحتقن وجوهكم حقداً إلا عندما يتعلق الامر بأهل الحق، فشاه وجهك أيها الآثم، يا من خربت دور العبادة ونزعت الهدوء والسكينة من المساجد، شاه وجهك وأنت تهاجم العالم الجليل التسعيني الشيخ يوسف القرضاوي  وتتهمه بالجهل، دفاعاً عن منظمة مهترئة فاشلة اسمها (م ت ف)، التي يعرفها العرب بوصل الحروف الثلاثة معا دون تقطيع كما قال لي أخ عربي ليبي قبل عشرين عاماً، ودفاعاً عن سلطة وهمية لا وجود لها إلا آخر كل شهر، لقد جهلت أيها الهباش أن عمر الشيخ القرضاوي ضعف عمر منظمتك، وقد عمل للإسلام والمسلمين ضعف ما صنعته، عيب عليك أيها الهباش فهو في عمر جدك، يمثل أمة، فأنت ينطبق عليك لفظ حديث أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا) وعليه أنت تجاوزت هنا مرتين، الأولى: لأنك لم تُجِل شيخ في عمر جدك، والثانية لأنك لم تعرف لعالم، طبعاً بالتأكيد لا تحسبني استثني منك الثالثة فأنت لم ترحم الصغار يوم حرمتهم من دورات تحفيظ وتجويد القرآن الكريم في بيوت الله، والله أيها الهباش لو أنك رددت باحترام وموضوعية على شيخنا دون إهانة لسكتنا، لكنك لا تفهم سبل الرد فكان ردي عليك بما تستحق رغم أنني أشعر بالألم وأنا أسمع فلسطينياً يحمل اسم وزير أوقاف يهاجم ويهين ويتهم بالجهل عالماً مسلماً جليلاً يلقى احترام الملايين من أبناء الأمة.
 

أما أنت سيدي الشيخ يوسف القرضاوي، لم أتردد لحظة في الكتابة والرد على هذا الآثم وقد شعرت أن الإساءة إلى شخصك كانت لطمة في وجه كل مسلم، شعرت بضرورة أن انتصر لك وأكتب وأقول: والله إني أحبك في الله مثل الملايين غيري، وأنتظر اللحظة التي أقبل فيها رأسك، ويا سيدي تعلم أكثر مني قصة الصحابي الرائع خزيمة، يوم قال الرسول صلى الله عليه وسلم بحقه: "من شهد له خزيمة فهو حسبه، وشهادة خزيمة بشهادتين"…. ولمن لم يعرف قصة خزيمة: أذكرها بالمعنى فقد كان الرسول استعار غرضاً من يهودي في المدينة لمدة عام وكان الكثير من الصحابة يشهدون على الحادثة، وعند انقضاء الأجل التقى الرسول باليهودي وأعاد له غرضه دون وجود شهود، وكانت فرصة لذلك اليهودي أن يحاول تشويه أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم ويتهمه بالكذب، فذهب إليه يطلب غرضه أمام مجموعة من الصحابة فرد الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه رده إليه، واليهودي لديه شهود من الصحابة أنه أعار غرضاً لمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي ليس لديه شهود بردها، لكن كان موقف لصحابي دخل التاريخ والحديث، وقف الصحابي خزيمة وقال لليهودي: أنا أشهد أن محمداً رد لك غرضك، فأنسل اليهودي منسحباً ذليلاً، وهنا سأل الرسول صلى الله عليه وسلم خزيمة كيف تشهد وأنت لم تحضر، فرد خزيمة يا حبيبي يا رسول الله شهدت لك بخبر السماء ألا أشهد لك بخبر الأرض، ولسان حاله قلت لي أنك رسول الله وأنا لم أر الله وصدقتك ألا أشهد بصدقك أمام يهودي، فقال الحبيب: من شهد له خزيمة فهو حسبه وشهادة خزيمة بشهادتين، لم تنتهي القصة وفي عصر جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكرٍ كان من شروط الجمع أن يأتي كاتب الوحي بشاهدين يشهدان له أنه كتب الآيات بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أن آياتٍ من القرآن لم يجد أحد كتاب الوحي شاهداً عليها إلا صحابي واحد هو خزيمة، فتدخل عمر وذكر الحادثة وأن شهادة خزيمة بشهادتين، وأقول هنا للتاريخ ووجوب التوثيق لشهادتين أن (م.ت ف.) التي يدافع عنها الهباش لديها أعظم شهادتين من عالمين جليلين هما العالم الشيخ يوسف القرضاوي والشهيد سيد قطب.
 

رحم الله الشهيد سيد قطب يوم قال: عام 1964: "إن منظمة التحرير الفلسطينية هي المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية وقد أوجدتها الأنظمة العربية للتفاوض نيابة عنها في بيع فلسطين" ولقد حدث ذلك حقاً، واحتاج الناس عقوداً ليفهموا هذه الحقيقة بعد أن فاوضت (م ت ف) المحتلين وملكََّت اليهود أكثر من 80% من أرض الوقف الإسلامي، وأنت يا هباش تحتاج قروناً لتفهم ما قاله الشيخ القرضاوي، ولتتعلم من العلماء.
 

اسمح لي سيدي القرضاوي وأنا العبد الفقير أن أقول لك: من شهد له الشعب الفلسطيني فهو حسبه، لقد شهدت لك الأمة سيدي الشيخ ومن شهدت له الأمة فهي حسبه ألم يشهد لك المجاهدون في كل مكان؟ ألم يشهد لك الشهداء والأسرى والجرحى وكل المظلومين؟ ألم تدخل قلوبنا وتستقر فيها؟ سيدي لقد تطاول الكثيرون منهم على شخصك الكريم على مدى سنوات، وهم المعمرون لمراتع الحرام وكنت ترد دائماً بأعمالك الرائعة، لقد تعلمت منك سيدي شيئاً جميلاً يوم سمعتك تتحدث عن العمل، وكيف نرد على السفهاء الجاهلين في كل مكان بالعمل في ميادين الخير.

 
أما أنت أيها الهباش لا حظ لكم تبت أيديكم فمن أصول الكلام أن يتأدب الناس مع العلماء، لأنهم ورثة الأنبياء الذين يوزن مدادهم بدم الشهداء، فمن كان ذا حظٍ تعسٍ جعل الله من لسانه أداة للتشهير، ولا خير في قوم لا ينزلون العلماء منازلهم وقدرهم ولا يوقروهم، ورحم الله ابن عساكر الذي قال: "اعلم يا أخي – وفقني الله وإياك لمرضاتِهِ وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته – أن لحومَ العلماءِ مسمومة، وعادةُ الله في هتكِ أستار منتقصيهم معلومة" وأن من أطال لسانَه في العلماءِ بالثلبِ بلاه الله قبل موته بموت القلب" حقا لقد ماتت قلوب كثيرة وتحجرت منذ زمن ومن بينها قلبك يا هباش، فاتق الله في علماء الأمة، اتق الله في مساجد الأمة، اتق الله في أطفال الأمة من حفظة كتاب الله في فلسطين.

 
بقلم: محمد اشتيوي-مدير فضائية الأقصى في الضفة الغربية