يَا أيّها اللّونُ الْمُغَلّفُ بِالصّحارَى وَالضّوَامِرِ وَالنّفُورْ
فِيكِ الْخَطَايا وَالنّوَايا أَينَما وُجِدَتْ تَفُورْ
عَقَرُوكِ وَاخْتَصَمُوا عَلى الأَسْمَاءِ وَاقْتَسَموا مَفاتِيحَ الْقُبُورْ
وَجَعٌ تَمَطّى بِالثّكالَى وَالرّصَاصِ وَراجِماتٍ تَمْلأُ الأَجْداثَ أَنْفَاساً تَمُورْ
بَلْوَى تَنَفّسَ رِيـحُها بَينَ الْوِصايَةِ وَالْوُعودْ
مَرْسُومَةُ الْخُطُواتِ في أَهْدافِها أُمَمُ تَغُورْ
نَعِلَتْ صُرَاخَ الْجُوعِ فَانْطَمَرَ الضّمِيرْ
هِيَ حَبْكّةٌ قَامَتْ عَلى صُنْعِ الْبلايَا مِنَ تَقَاسِيمِ الْهَوَى
صُوَرٌ عَلَتْ كَتِفَ الْجَرائِدِ فَاسْتَحَى مِنْها الضّرِيرْ
أَوَلَمْ تَرَوا كَيفَ الْعُيونُ تَكَسّرَتْ أَجْفانُها تَرْنُو إلى مَلَكِ السّمَاءْ
تَرعَى مِنَ الأَحْلامِ كَأْساً يَرْتَوِي مِنْ ثَغْرِها لَونُ الدّماءْ
نَغَمُ الْعُرُوبَةِ رُبّطَتْ أَوتَارُهُ في عَتْمَةِ الصّمْتِ الْمُبِينْ
يَا أَيّها الْعِرْقُ الْمُصَنّفُ بِالإخُوّةِ مَنْ تَكُونْ؟
لا تَقْتَرِفْ لَوناً تَرَاءَى بَينَ غَيمَاتٍ تَفَرّقَ دَمْعُها بَينَ اخْتِلاطٍ في الأُمورْ
أَرْكُضْ بِشَأْنِكَ قَبْلَما تَأْتي السّنَابِكُ وَالْجَحافِلُ وَالثُّبُورْ
وَاسْمَعْ هُبُوبَ الرّيحِ إِذْ هَبّتْ عَلى الأَنْحَاءِ لَيسَ لَها خِطَامْ
لَمْ يَبقَ عِنْدَكَ غَيرُ أَنّاتِ النّسَاءِ وَقَرْقَرَاتٍ لَمْلَمَتْ أَوْجَاعَها بَينَ الْعِظَامْ
وَالْبِيدُ تَلْفَحُ أَعْيُنَ الأَمْوَاتِ وَالْبَلْوَى نَمَتْ فَوقَ الرّحَالْ
مَدَّ الرّصَاصُ حِبَالَهُ، لَمْ يُنْجِهِمْ كِيسُ الرّمَالْ
خَلْفَ الْمَتارِيسِ اشْتَكَتْ أَحْدَاقُهُمْ فِيمَ الْقِتالْ
رَحَلَتْ سَكِينَةُ شَمْسِهمْ
مَا جَفّفَتْ أَوحَالَهَم
وَالْخَبُّ قَدْ أَوْحَى لَهم
حَبَسَ الْعَقِيدَةَ في تَجَاوِيفِ الْمَجَاعَةِ وَاكْتَسَى بِكِتَابِهم
أَوَلَمْ تَرَوا كَيفَ النّفُوسُ تَعَثّرَتْ بَينَ الْقُبُورْ
وَالْمَوتُ رَفْرَفَ فَوقَ صَمْتٍ يَمْلأُ الْوِدْيَانَ دَمْعاً يَسْتَجِيرْ
فَتَسَاءَلَ الْمَوتَى عَنِ الْمَوتَى الّذِينَ تَسِيحُ أَنْفُسُهمْ عَلى بَطْنِ الطّرِيقْ
وَغُرَابُهُمْ يَرْنُو إلى جِيَفٍ تَهَاوَى ظِلُّها
مَا خَطْبُهُمْ
تَجْرِي الدّوَائِرُ تَعْتَلِي حَدَقَ الْعَجَائِزِ وَالْبَنِينْ
وَطُفُولَةٌ عَلِمَتْ دُرُوبَ فََنَائِهَا، رَأَتِ الْمَصِيرْ
إِفْرِيقِيَا تَرَكَتْ سَنامَ الْقَرْنِ مَجْرُوحاً وَمُنْتَظِرَ السّحابْ
وَالْجُوعُ بَينَ وِهادِها لا يَسْتَحِي مِنْ عَظْمِها حَتّى وَإنْ لَعَقَ التّرَابْ
يَا أَيّها الْبَلَدُ الْمَزَنّرُ باِللّيَالْ
يَا وَصْمَةً نُقِشَتْ جِراحَاتٍ على التّارِيخِ وَاتّسَعَ الْفُجُورْ
وَتَعَجَّبُوا لِمَ يَخَتَفِي أَثَرُ الْعِتابْ
والسَّيفُ شَمَّرَ أَنْفَهُ بَينَ الصِّحابْ
يَا نَكْسَةَ الْخَلْقِ الّتي رَقَصَتْ عَلى صَمْتِ الْمَنابِرِ وَالْحَضَارَةِ وَالأَغَانِي..
وَالْعَنَاوِينِ الّتي نَامَتْ عَلى لَونِ السّطُورْ
هِيَ دَمْعَةٌ صُرِفَتْ مِنَ الأَيدِي الّتي سَرَقَتْ نَدَى الصّومَالِ..
وَالأَطْفَالُ يَنْتَظِرُونَ حُبّاً لَمْ يَكُنْ حُبّاً وَلا دِفْئاً تَسَرّبَ مِنْ قَوَانِينِ الشّرُورْ
وَيْلٌ لِمَنْ رَصَفَ الدّرُوبَ إِلى أَسَاطِيلِ الْخَرابْ
وَيلٌ لِمَنْ رَسَمَ الْخَرَائِطَ بَينَ أَيدٍ مَا لَها جِلْدٌ يَهابْ
نَهَشَتْ مِنَ الأَعْنَاقِ أَوْرِدَةً تُعَبّئُ مَرْجِلَ الأَيّامِ بِالْحُزْنِ الْمُعَتّقِ بَينَ فُخّارِ الصّدُورْ
وَتَصَدّقُوا لِلْمَوتِ مُدّةَ شَهْقَةٍ بَينَ الْمَسَافَاتِ الّتي رَجَفَتْ بِها نُقَطُ الْكِتابْ
وَالحُكْمُ يَذْرِفُ شَعْبَهُ مُتَشَبّعاً طُرُقَ الْعَذابْ
مَا كَانَ لَيلُ بِلادِهمْ يُؤْوِي الْجِياعَ وَلَمْ يَكُنْ في حِضْنِهِ غَيرُ الرّدَى
صُومَالُ يَا دَرْبَ الْوُصُولِ لِمَهْلِكِ الأُمّ الّتي رَفَضَتْ خَيَالاً لِلْعِدَى
لَمّا بَدَتْ رِحْلاتُهُمْ ظَنّوا الطّرِيقَ مُعَبّدَا
حُلْمُ الْمُغَامِرِ قَبْلَمَا تَرْسُو السّفَائِنُ بَينَ غَلاّتِ الْحُرُوبْ
بَلَدٌ تَحَثّرَ رِيقُهُ بِالْجَورِ وَالْوَجَعِ الْمُقَمّطِ بِالْهُرُوبْ
رَسَمُوا لَهُ نَفَساً تَقَطّعَ لِلْعُبُورِ وَلِلْغَنِيمَةِ وَالدّثُورْ
فَتَنَازَعُوا أَمْرَ الإمَارَةِ بَينَ أَصْنَافِ الرّحِيلْ
هِيَ غَفْوَةٌ وَتَرَى الْمَوانِيَ جَابَهَا لَيلٌ بِهِ غِلٌّ ثَقِيلْ
وَهُنَاكَ جَارٌ يَسْمَعُ التّهْلِيلَ طَبْلاً لِلنّفِيرْ
إثْيُوبِيَا رَقَصَتْ عَلى نَارِ الْقَبَائِلِ وَالْقُشُورْ
وَعُرُوبَةٌ تَنْمُو عَلى أَطْنَابِها جُرُفُ الشّمَاتَةِ وَالنّوَى
أَينَ الْحِكَايَةُ حَيثُ كانُوا يَرْتَوُونَ لِكُلّ عَينٍ دَمْعَها ؟
حَتّى إذا بَكَتِ الْحَرائِرُ تَشْتَكِي لِمَنِ امْتَطَى ظَهْرَ الْبِلادِ وَحُكْمَها
لَم يَأْتِهمْ بِفُؤَادِهِ حَتّى يُطَبْطِبَ فَوقَ رَأْسِ الْمُسْتَغيثِ إِذِ انْتَفَى
أَوْ يَرْسُمَ الْبَسَمَاتِ عِنْدَ تَخَطّفِ الأَرْوَاحِ وَالْقَبْرُ اكْتَفَى
لَكِنّهُ نَقَشَ التّرَاقِيَ بِالرّصَاصِ وَأَسْرَفَا
فَتَغَرّبَتْ بَلَدُ الشّقَاوَةِ وَالْعَدَاوَةِ وَالسّجُونْ
وَاسْتَسْلَمَتْ لِمَنِ اعْتَلَى بَارُودَةً أَوحَتْ لَهُ أَنْتَ الْهَصُورْ
مَقْدِيشِيُو رِئَةُ الْعُرُوبَةِ إذْ تَمَزّقَ صَدْرُها قِبَلَ الْجَنُوبْ
وَتَعَثّرَتْ خُطُوَاتُها تَرْجُو الْهُرُوبْ
لا تَنْهَبُوا أَنْفَاسَها
رَأَتِ الْمَسَافَةَ تَخْتَفِي في ظُلْمَةِ التّارِيخِ منْ وَطَنٍ تَهَادَى لِلْعُبُورْ
في بَالِها أُمَمٌ تَخَطّتْ صَبْرَها فَاسْتَشْرَفَتْ ضَوءَ الْمَسيرْ
شعر:صقرأبو عيدة