إلى الذين رحلوا قبل أن تبتسمَ شفاهُ العيد :
(ﻻ تطرقِ البابَ) ما بالدارِ أحبابُ
العيدُ جاءَ وأهلُ البيتِ غُيّابُ
غابوا جميعاً وما زالتْ روائحُهم
في البيتِ تسألُ عمّن رغمهم غابوا
تستنطقُ الجُدَرَ الثكلى بأنّتها
عادَ الجميعُ وأهلي بعدُ ما آبوا
عادوا وقلبي رمادٌ كم يحدّثني
إنّ السرابَ الذي تبغيهِ كذّابُ
(لا تطرقِ البابَ) قد سُدّتْ مقابضُهُ
وأحكمَتْ غلقَها في الحيّ أغرابُ
هذي بقايا من الآثارِ أعرفُها
وذاك ثوبُ أبي يحويهِ دولابُ
هنا عصاهُ هنا سجّادةٌ بُسِطَتْ
هنا عقالُ الإبا ترثيهِ أطيابُ
هذي دفاترُهُ بُقيا محابرِهِ
على الرفوفِ وفيها الشوْقُ غَلابُ
هذي حقائبُه تشكو لغرْبتِها
وفي الجدارِ أرى التصويرَ يرْتابُ
وتلكَ في الركنِ بعضٌ من سجائرِهِ
فيها يُدخّنُ بالآهاتِ إعْطابُ
هذا سريرُ الصّبا تنعاهُ غرفتُهُ
وعندَ بيت التّقى يبكيهِ مِحْرابُ
لا تطرقِ البابَ منْ يومينِ قد رحلوا
فعشّشتْ بعدَهم في الروحِ أوْصابُ
يا أيّها المُوجعُ المكدودُ من سَهرٍ
خفّفْ عليك فإنّ الدهرَ قلابُ
ﻻ صوْتَ يُطربني ﻻ نايَ ينعشني
وﻻ فؤادي لهُ قد صاحَ تطرابُ
عُدْتُ انطفاءً ودبَّ الشيْبُ في جسدي
وصوْتُ قلبي بصحْنِ الدّارِ أوّابُ
وحْدي أعاقرُ كأسَ الحُزْنِ من وَجعي
خمراً وتعْصُرني بالكأسِ أعنابُ
وحْدي وأخيلتي أبني بها مُدُنا
فأستفيقُ ويرمي القلبَ نشّابُ
أشجارُ حزني بداري أينعَتْ وَجعاً
وأنْبَتَتْ أرقاً والشوقُ لهّابُ
هي الأماني لقد ماتَتْ بعلّتها
ودمْعُ عيني بيومِ العيدِ سكّابُ
يا ليلةَ العيدِ أوجاعي تطوِّحني
وغلّقَتْ نفسَها من حزنِها البابُ
أمسيْتُ وحدي وجُرحي فيّ جذوتُهُ
تأبى تؤجّلني والهمّ ميزابُ
حرّى همومي وحزني في طفولتِه
له تنادي على الأسوارِ أترابُ
لا الأهْلُ أهلي ولا أوطانُهم وطني
وإنّنا في كتابِ الشرْعِ أجنابُ
هيَ الحياةُ فلا تأمنْ لجانبِها
بها سيطويكَ سردابٌ وسردابُ
من دونِ وجهك ﻻ عيدٌ أراهُ أنا
فالحزنُ بيتي وللأحزانِ أسبابُ
أشعلْتَ ناراً بروحي والتظى ألمي
وإنّني من نواكَ اليومَ مُنصابُ
لولا رَجعْنا وعُدْنا من تغرّبنا
ماذا يقولُ إلى الزوّارِ بوّابُ
ومَنْ يقولُ لنا أهلاً بمن قدِموا
ومنه تظهرُ بالضِّحْكاتِ أنيابُ
عُدْ لي ﻷجلي متى ما شئْتَ يا أبتي
إليكَ تنظرُ كي تلقاكَ أعتابُ؟
__________
خلف الحديثي