"قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي"

الواقع أنه لا دليل على قول عامة المفسرين عندما قالوا أن المراد بالرسول جبريل عليه السلام ولا دليل أن أثره هو التراب الذي أخذه من موضع حافر دابته، ولا دليل أن السامري اختص برؤية جبريل عليه السلام ومعرفته من بين سائر الناس، فليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكره المفسرون. والأصح هوأن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام وبأثره سنته ورسمه الذي أمر به، فقد يقول الرجل: فلان يقفو أثر فلان ويقبض أثره إذا كان يمتثل رسمه، والتقدير أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامري باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في باب العجل، فقال : بصرت بما لم يبصروا به، أي نظرت ببصيرتي، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول، أي شيئا من سنتك ودينك فقذفته أي طرحته وتخلّيتُ عنه، فعند ذلك أعلمه موسى عليه السلام بمصيره في الدنيا والآخرة، وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له: ما يقول الأمير في كذا وبماذا يأمر الأمير، وأما دعاؤه موسى عليه السلام رسولا مع جحده وكفره فعلى مثل مذهب من حكى الله عنه قوله:"وقالوا ياأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون"
والله تعالى أعلم وأجل.