إذا رأيت النتائج العظيمة تتحقق بالوسائل البسيطة التي لم تخطر لبشر على بال ، فاعلم بأنك أمام سيناريو سماوي إلهي له ما بعده من تداعيات عظيمة.

   تلك هي سنة الله تعالى في تدخله في حركة التاريخ وتوجيهها لخدمة هدف ربانيّ عظيم ، أو لتحقيق وعد إلهيّ – لا محالة – منجَز .

   هكذا تـُعلمنا الآيات القرآنية الصريحة وهكذا يعلمنا القصص القرآني ، فحين رسمت السماء سيناريو إنقاذ بني إسرائيل من مصر الفرعونية وهلاك فرعون وجنوده كان تكتيكها عجيباً غريباً لا يخطر على بال ، فقد كان فرعون يقتل المواليد الذكور من بني إسرائيل عاماً ويتركهم عاماً حتى لا يفني ما يمتلكه من العبيد ، وتشاء السماء أن تسْخر من فرعون سخرية عجيبة فجعلت ولادة هارون في عام العفو ثم جعلت ولادة موسى في عام القتل ، ثم أوحى الله الى أم موسى وحياً عجيباً هو الآخر في منطق البشر فقال لها : ( فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ .. ! ) 7 القصص . مع أن الأم حين تخاف على وليدها فإنها تضمه الى صدرها ولا ترمي به في اليم ، ولكنها هنا تطيع أمر الوحي حتى يستكمل السيناريو السماوي بأن يلتقطه آل فرعون ثم يربيه فرعون في قصره كأنه ابن من أبنائه ، حتى إذا بلغ أشده أرسله الله الى فرعون وسلـّحه بعصا !!! ثم يُحال بين الصدام وبين الفريقين حتى ينفلق البحر ويجتاز العبيد ليصبح الصدام بين فرعون وجنوده من جهة وبين الأمواج المرتدة العاتية من جهة أخرى . أليس هذا السيناريو عجيباً كل العجب ؟ كذلك كان من قبل سيناريو يوسف ، ذلك الطفل الصغير الضعيف الذي ألقاه أخوته في البئر ليتتابع السيناريو بعد ذلك حتى ينتهي بإنقاذ شعب مصر على يديه من مجاعة سنوات سبع عجاف !

   وجه الشبه بين سيناريو موسى وفرعون وبين سيناريو ثورة مصر 25 يناير ليس في كونهما ينفذان على نفس الأرض ( مصر ) بل في كونهما استخدما الوسائل البسيطة التي لا ينتظر منها أن تؤتي تلك الثمار العظيمة وتؤدي الى تلك النتائج الباهرة . فلو أن السيناريو الذي حدث كان لرواية سينمائية لما اقتنع المشاهد بأن شباناً تجمعهم بعض مواقع التواصل على الإنترنت يستطيعون أن يقلبوا نظام حكم بوليسي ضربت جذوره عميقاً في الأرض لثلاثين سنة خلت ، بحيث أنهم قد ولدوا وربوا في كنفه كما ربا موسى في كنف فرعون .

   ولأن القاعدة السماوية تقول ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم … ) 11 الرعد . فإن السماء حين تريد أمراً في الأرض فإنها تدفع بأناس يفتحون الباب ثم تتولى السماء صنع النتائج الباهرة ، ويتجلى هذا المعنى في قصة بني إسرائيل حين تقاعسوا عن قتال أهل قرية وقالوا لموسى : ( … يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) 24 المائدة . وأوحت السماء الى رجلين منهم (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين ) 23 المائدة . والمعنى أن المطلوب منهم هو دخول الباب فقط ، وأما النتيجة فمتروكة للسماء .

   يدفعنا هذا الأمر الى الاعتقاد الجازم بأن يد السماء قد رسمت ما حدث ، وأوحت الى ( شباب الفيسبوك ) أن يخرجوا الى ميدان التحرير وأن يطالبوا هناك بمطالبات متواضعة لم تكن ترقى الى ما حدث فعلاً ، وبأن هذا السيناريو له ما بعده من تداعيات ، فمنذ أن أحرق البوعزيزي نفسه احتجاجاً على الأوضاع في تونس انطلقت شرارة هذا السيناريو لتقلب الأوضاع على رأس الطغاة في تونس ثم بعدها بأيام قليلة في مصر ، والواضح أن ما يسمى ( بتداعيات أحجار الدومينو ) قد بدأ فعلاً .

   إن الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية القائمة في منطقتنا العربية وبالذات في المنطقة المحيطة بالكيان الصهيوني لا يمكن معها بحال من الأحوال أن تنهض بالأمة الى وضع أفضل ، فضلاً عن تحقيق ما يحلم به كل عربي ومسلم من استعادة أرض فلسطين الى السيادة العربية والإسلامية وإنهاء دولة إسرائيل وتفكيكها . وكون ما حدث في تونس وفي مصر من تحقيق نتائج عظيمة لا يمكن بحال أن تتحقق بتلك الوسائل السلمية البسيطة ، وكون التداعيات التالية قد ظهرت بوادرها في كثير من الدول العربية الأخرى ، وكون أكبر الخاسرين في هذه الثورات هو الكيان الإسرائيلي والسياسة الغربية المؤيدة له ، فنحن إذاً أمام سيناريو سماوي ينفذ على أرضنا العربية لا نشك في أن هدفه النهائي المنشود هو إزالة دولة الكيان الصهيوني من خريطة الشرق الأوسط . ويدعم هذا الرأي ما ورد في سورة الإسراء في قوله تعالى مخاطباً بني إسرائيل ( … فاذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) 7 الإسراء. وما ورد من أحاديث نبوية شريفة كثيرة .

   إن الأيام القليلة القادمة تبدو حبلى بالمفاجآت التي لم يكن يتوقعها أحد ، وإن صدقت توقعاتنا بأن هذا السيناريو الجاري هو سماوي فعلاً ، فإن الوحدة العربية باتت قاب قوسين أو أدنى ، وأن زوال إسرائيل قد أصبح مسألة وقت لن يتعدى بضع سنين .
بقلم:زياد سلوادي