أترانا نحسن أن نخاطبك وأنت ترفلين في ظلامة الحرب وتكتحلين بغبار المعارك، وتكتبين تاريخك بالدم واللحم المفتت؟ !
أترانا نوفق في صياغة خربشات على جدار الملحمة تصف المأساة وتغني لأسطورة البقاء؟ !

إنه العجز.. ديدن الذين حجزوا أماكنهم على هامش المواجهة، وما ملكوا سوى عد الذاهبين للعلياء والدعاء على الظالمين والمجرمين والخائنين على اختلاف سحناتهم، وترقب بشائر المعركة عبر الشاشات ومن خلف واجهات الفعل ..

إنها الحرب يا غزة.. قدرك الدائم يا فارسة سواحل الشام بلا منازع.. أيتها المرابطة على ثغور الاشتعال.. ويا نفساً أبية عافت الكرى وكرهت رقدة الصامتين ..
يا عيناً بكت من خشية الله وباتت وأصبحت وأضحت تحرس في سبيله.. يا أرضاً لا تنبت غير المقاتلين والبنادق المتأهبة، ويا سماءً لا تجود إلا بحمم البراكين .
يا دماً لا يزهر إلا صلابة وشموخا، ويا وجعاً لا يئن، وجرحاً لا ينزف إلا لهيبا.. أيتها المتفردة في الحياة كما في الاستشهاد، وفي الحكم كما في الغزو، وفي الصبر كما في الانفجار ..

في يوميات صمودك المستحيل سطع نجم المقاومة وتعرى وجه الخيانة وانكشفت سوءة المتآمرين على ذبحك.. كان مشهد انبعاثك من تحت الردم يحير الذين أوصدوا عليك باب الجيرة، وأولئك الذين حزموا أمتعتهم وانتظروا أن يأتوك على ظهور المجنزرات اليهودية .. أدهشهم رسوخ أقدامك بعد تهشم عظمك واحتراق أشلائك، عجبوا لأنفاس الرفض كيف تصعد من بين الأنقاض لتؤكد أبجديات صمودها وتملي شروط انتصارها وترد فوهات المدافع خائبة على عقبيها ..

رغم فداحة المصاب انتصرت غزة وكسرت الرهان على اقتلاعها، وخيبت رجاء من راموا الخلاص منها إلى الأبد.. انتصرت (بقسامها) المغروس في جبينها شامة كبرياء، و(بسراياها ) و(ألويتها) وهي تعلن التوحد في خندق المقاومة الإسلامية وتتواصى بالصبر والإصرار .. انتصرت (بحماسها) التي أحيت روح الجهاد في أوصال العروبة المنهكة، فتململ فيها ضمير النخوة المغيب والإرادة المقيدة ..

بعد واحد وعشرين عاماً على ميلادها المبارك خاضت حماس معركة ميلاد الأمة من قلعتها المسيجة بالنخيل والقامات السامقة وزنود الكبار الذين صاغوا فصول ملحمتها وأعدوا فيالق جندها قبل أن تباركها دماؤهم التي أضاءت ليالي العتمة في معركة الفرقان .
فليس في عرف حماس أن تضن بقادة صفها الأول أو تدفع بهم للوراء إذا حمي الوطيس وطاب الموت لعشاق التقدم وصانعي الأمجاد .

وليس في قاموس غزة القسام مكان للارتجاف تحت القصف أو المصالحة على الضيم أو بيع السلاح طلباً للصفح والترجل من لوائح (الإرهاب) العالمية.. هي بيعة أبدية لله يغذيها الدم وتحرسها الرماح وتفتديها أعز النفوس وأغلاها ليظل لواؤها مشرعاً ومضمخاً بأريج الانتصار ..
وهي إرهاصات وعد الآخرة.. أطل فجره من غزة، ولن يوقف مده تآمر أو خذلان أو نقص من الأموال والأنفس والثمرات، فقد أسلم الوطن قياده لعباد الله أولي البأس الشديد الذين سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة، ليسوؤوا وجوه الغاصبين ويتبروا ما علوا تتبيرا .
بقلم:لمى خاطر-الخليل