طــالَ المَخَـاضُ بأمَّتـي وتَعَسَّــرا
حتَّـى ظَنَنـْتُ الـرَّحـْمَ منهـا أبْتَـرا
فَتِّـشْ أَفِـي الأرجـاءِ غيـرَ مَــرارةٍ
وَدَمٍ علـى شَفَــةِ الجِـراح تَخَثـَّـرا
جفَّــتْ ينـابيـع العطــاء بـأرضهــا
فالفكـر أمْحـَلَ والضَّميـر تَحَجَّــرا
لبسَـتْ ثيـابــاً لا تليــقُ .. بـأمَّـــةٍ
كانـت الى عرش الفضيلة مَعبَــرا
هَتَكَـتْ بفـأسِ الإثـمِ كلَّ مقـدَّسٍ
فَبَـدَتْ كغــانيـةٍ تُمــارس مُنْكــرا
خَلعتْ طهارة نفسهـا فتساقَطَـتْ
في عَتْبةِ التّاريخ يَكْنِسُهـا الـوَرَى
وتَلقَّفـَتْ طَعــنَ الخُنـوعِ .. وَذُلـَّـهُ
لـم تستطــع لِطُغـَـاتِهــا أن تقهــرا
سـادَ الفجور ربـوعهـا .. بـوقـاحـةٍ
فالعهـر أسفَـرَ ..والضّــلال تبختـرا
هـذي وحول العـار تَطْفـحُ فوقهــا
والخوف في الأرجاء جبناًقد سرى
عميت عيون الناس عن أمراضهــا
وكـأنهــا رضيـت .. بـألَّا .. تُبصــرا
هل أُلْجمَـت أفـواههـم عن نطقهــا
أم كمّمـتْ بالـرّعب كـي لا تجهــرا
فـالإضطهـاد تثـاءبـت .. أشـداقـه
واللــؤم عـن أنيـابــه .. قـد كشَّـرا
هذي سياط الجوع تلهب ظهرهـمْ
والبؤس في كهـف الهمـوم تجمهرا
والشعـب أُسكِـرَ بالمصائـب حسُّــهُ
وبنعمــة الــرّؤيـا ..أصيـب مُؤَخـّرا
زلَّــت بــه الأَقـدام بعـد شمــوخــه
فطَغَـت ريـاح البغـي حيـن تخـدّرا
وَطَني .. إلى أيِّ المطـافِ مصيـرُه
أصبحت من خوفي عليه مزمجرا
فَفَمي سينطـق بالحقيقـة صـارخـاً
كيف السكوت وحـقُّ شعبيَ أهـدرا
الطّهـر يـذبح فـي مسالـخ صمتنــا
والنـّزفُ فـي كَبِـدِ الأمــان تَفجـّـرا
إنَّ المصـائــب بالمصـائب أُلْحِقـتْ
لِنَتيــه فـي غَمَــراتهــا أو نُحجَــرا
النـاس مـن حـولـي سـرابٌ كـاذبٌ
كــلٌ إلـى مُتَــعِ المجــونِ تضــوَّرا
كُتَلٌ من العـورات أفضـح ستـرهـا
وفجيعــة التكفيـر صــارت أكبــرا
إنَّ المثـالـب فـي الـرّبـوع تَأَصَّلـتْ
والعـار فـي رَحِـم النفـوس تجـذَّرا
والأمَّــةُ العصمـــاء مــرِّغ وجههـــا
فاستُضْعِفَت واستُهْجِنَتْ كي تُقبرا
أيـن المــروءة والــديـار جـريحــةٌ 
أيـن الهــدى والحـقّ بــات مــزوّرا
أيـن الفضيلـةُ … والضَّغينة مَنْهـجٌ
أيـن التـآلــف … والـوفــاء تعــذّرا
بِعنَـا لرجـْس الإنْس كـلَّ مصيـرِنـا
فتَسلَّـط الطـاغـوت .. ثـمَّ تجبَّــرا
هِنَّــا وهــانَ مــع الضـلال كيـاننــا
فتبــدَّد الأمـــل الوضـيء وبُعثــرا
فَنَضَـا اللئـامُ لثـامهــم وتحـالفــوا
والحقـد في روض البـراءة سُعــِّرا
والغــرب بـالتَّـدليـس أفْــرَغ غِلَّـــه
وأتـى إلـى عِقْــر الــدّيــار مـدمـِّـرا
وقضى على إِرثِ الجـدود تحيّــزاً
ومشى على هـام الشعـوب تكبّــرا
والعربُ في شرك الذرائع أسقطـوا
والحقُّ في فلـك السيـاسـة أطـِّـرا
سحقـوا الكـرامة ..زلزلوا أعـرافنـا
والشعب في وحل المهانة جرجرا
بثّـوا العيون ..وحـاصـروا آمـالنــا
وتمنطقـوا فـوق النـَّذالــة خِنْجـرا
سِمَـةُ الحيـاة..ولا نقيضَ لـدفْعِهــا
أنَّ القــويَّ علـى الضَّعيـف تـأمَّــرا
من لاينال النَّصر في ساح الوغـى
يبقـى دهـوراً فـي الهـوان معفَّــرا
لَهَفـي علـى وطـنٍ تقيَّـحَ جـرحُــهُ
فَـذَوَى أسـىً وتفكّكت منـه العُـرَى
يـاللعـروبـة … يستبــاح تــرابهـــا
حتّـى التّـراب على الإبـاء تحسـَّرا
مجـد العـروبــة شيـدتـك عقيــدةٌ
مـن وهجهــا بحـر الفسـاد تبخَّــرا
زرعتْ بجذع الجهل أخصب برعم
فتفتـق الجـذع العقيـم .. وأثمــرا
واستقبـل الأقــوام نـــور محمـــدٍ
فتقهقــــر الكفــر العتـيُّ وأدبــــرا
أمـّا أنـو شـروان … ذاق هــزيمــةً
مــاكــان أفْــدَحَ أو أمَــرَّ وأنْكـَـــرا
هلَّا سألـت الـروم عـن يـرمـوكنــا
قصمـت ظهورهـمُ وذلَّـتْ قيصـرا
كنّــا وكــان العـــزُّ فـي أَيْمَــانِنـَـــا
فالـرَّمـل في صحـرائنا قـد أزهــرا
يـاأيّهـا الـوطنُ الـذي دَفَـنَ الهــدى
قـد كـان ذكـرك في الأنام معطّــرا
أصبحت من بعـد الرضوخ مشوهاً
وعلـى قـداستـك الــوضيـع تنـدّرا
فمصـابنـا تـرك الحسـام .. ولهـونـا
مَـنْ للمصــائــب غيـر زنــدٍ شَمّــرا
يـا أيهــا الحــرُّ الأبـيُّ … نصيحــةً
مـاخـاب مـن خاض الحياة مغيِّـرا
فالمجـد يصبـح في حمـاك منـارةً
إن كنــت ذا عــزمٍ وكنـت مفكّــرا
رمّـمْ شقـوق البغـض في بنيـاننــا
واكنس غبـار الجهـل كـي تتنــوَّرا
كسّر قيـود الظلـم إنّـك … عـارفٌ
أنّ القيـود .. تمنِّيـاً .. لــن تكسـرا
جـرّد سيـوف الحقِّ من أغمـادهـا
واللـه .. آنَ أوانهــا .. كي تشهــرا
فـي كـلِّ يـومٍ للتقــدُّمِ … قفـــزةٌ
نحـو العُــلا كـي نَعتَليـه تَحَضُّـرا

غياث عياش