وقفتُ قربَ الفرات ِ النهــرِ أسألــــهُ
قلْ لي: لمـن أنتَ هذا البوحُ تحملهُ ؟
من أينَ جئـتَ به يا نهـرُ ؟ إنَّ دمــي
ينسابُ لحناً وهمسُ الشعر يصقلـــهُ
وقفت ُ أنشــــدُهُ عن طيـــبِ نسمتــه ِ
عن الصَّفــــاءِ الذي للنـَّـــاس يبذلــهُ
أرنو إلى ضفـَّـتيــه أستــشفُّ نـــدىً
وأمـــلأُ الكـــفَّ عذبَ المـاءِ أنهلــهُ
أرتاد شطآنـَــه أغفـــــو بهـا زمـــناً
وهجُ الصِّبـا بدموع العيــنِ أجـــبــلهُ
ما أجمـلَ النسمةَ الجذلى ..! يخالطها
شذىً من الزهرِ للعشَّــاق يرســـــلـهُ
وقفتُ استرجــــعُ الذكرى فأذهلنـــي
صوتُ الميـــــاهِ يناديـني فأجهلــــــهُ
وما بمنأى عن الأنغــــامِ أسمعُهـــــا
يشدو غناها كصوتِ العودِ يعدلــــهُ
وقـــد تشرَّبَ في سمعي وباصــرتي
لحــــناً شجيـَّـاً بــــلا هَــمٍّ يسلــــسلهُ
فقلت يا أيُّها النهرُ العظـــيم ُ : لمــنْ
تشدو ولحنـُــك هــــذا ليس نجهــــلهُ
يا أيُّــها النهرُ كم لحن ٍ تدنـــدنُـه ..!
في ضفتــيك وكـــــلُّ الطـيـرِ تنقلـــهُ
لقـد طربتُ ضحىً واستعذبـتْ أذُني
هذا النشيـــــدَ الذي تأبــــــى تبدِّلـــهُ
يا أيُّهــا النهــرُ إنـِّـي عاشـــقٌ ثمــلٌ
لصوتك العـذبِ .. والشطآنُ تغزلـُـهُ
ولي رؤى وأمـــــــانٍ لا تفارقــــني
ولي هوىً عند ذاك الجسر مُجملـُــهُ
فكـــمْ جلســـتُ إليــه وهو يســـألنـي
عن رملـِــهِ وعن الآهــاتِ أسألــــهُ
وكم تهجَّرَ قومٌ عن نـــــداك أســــىً
والأمنُ كلُّ جنـــاةِ الليــــلِ تقتـــــــلهُ
يا نهرُ كم ضمنِّي ظـــلٌّ وأسعــدني
عطـــرٌ تفيــــضُ به دومــــاً وتبذلـهُ
زرعـتَ في خافقـي حبَّـــاً وأمنـــيةً
ذكــراك تسـكــنُ قلبـي لا تبـــدِّلـــــهُ
أوَّاه ُيا نهـرُ لو عـادَ الزمــانُ لكـــي
ألقاك دون أسىً في الصَّــدر أحملـهُ
وتحتويـــني صبـابـــاتٌ وتحمـــلني
شوقــاً إلى الوطـــنِ الغـالي أقبـــــلهُ
أشتــاقُ تربــــتََـَه أرتـادُ ربوتـَـــــــه
تزدادُ هيبتـُــه مهمـــــا تحــــــاولـــهُ
واليومَ بدّّدَه ظلـــــــمُ الطغـــاة فـــقد
ضاقتْ مسالكـُه .. بل جـَــفَّ منهلـهُ
وحـــاقَ بالنـَّهر ما أردى به فغــــدا
قبــراً يضــمُّ رفــاة القــوم أكمـــــلهُ
يا نهرُ رفقاً بنــــا أنت الصَّـديقُ لنـا
رحمـــــاكَ في وطـنٍ كنَّــــا نبجِّــلهُ
رحماك .. أبعدَنـا هجـرٌ.. وشـــرَّدنا
قـــهـــرٌ .. وليس لنا عضدُ نؤمِّــله
شعر/ إبراهيم الأحمد