بغداد بَعدَكِ ما وجدتُ العيشَ تصحَبُهُ مَسَرّةْ
فكأنَّ حُلوَ العيشِ فيكِ وفي ابتعادِكِ ما أمَرّهْ 
فتبُثُّ أنفاسي ببُعْدِكِ حسْرةً مِن بَعدِ حَسرةْ
لَهَفي على الزمن الذي ضيَّعتُهُ عند الرحيلْ
فكأنَّني أحيا ببُعدي عنكِ في ليلٍ طويلْ 
أرنو إليهِ بنظرةٍ تتأمَّلُ الفجرَ الجميلْ
ضاعَتْ بها كُلُّ الأماني واختَفَت كُلُّ الفصولْ
فجراً أراكِ بها وأنسى ما لقيتُ مِنَ الفراقْ 
فلقد وجدتُ العيشَ بَعْدَكِ ما بهِ شيءٌ يُطاقْ
فكأنَّني رغمَ البِعاد إلى ربوعِكِ في عناقْ
كُلُّ الفراق يهونُ لكن لا يهونُ عن العراقْ
إني أُعانقُ جوَّك الصافي ودجلةَ والنخيلا 
إني أُعانقُ روحَكِ العظمى ومنزلَك الجليلا
إني أعانقكِ الحضارةَ والمسلَّة والطلولا
وأعانق الشعبَ النَّهُوضَ إلى العُلا جيلاً فجيلا
شعباً تألَّقَ في الحياة ببهجةِ الماضي العريقْ
وبحاضر بَهَرَ الوجود بمجدهِ الحُرِّ الطليقْ
مجد مدى الأيام يزخرُ بالتفتُّحِ والشروقْ
فكأنهُ للخلد دربٌ في اتساع لا يضيقْ
يا موطنَ الشهداء يزخَرُ بالمراقدِ والمنائرْ
يا موطنَ العلماءِ يزخرُ بالجوامِعِ والمنابرْ
يا مَن بأرضكَ قد طوى التاريخُ شامخةَ المآثرْ
يا مَن على الأحداث تسمو عابقَ الآفاقِ عاطرْ
فبكلِّ عصرٍ أنتَ عنوانُ الكرامةِ والبهاءْ
أنت الضياءُ مدى الزمان يلُوحُ في أفُقِ السماءْ
كالشمس دائمةَ التألُّقِ ليس يقربها الفناءْ
تزهو الربوع بها بجو دائم فيه الصفاءْ
فالأفق مزدحمُ النخيلِ بجوِّهِ الصافي العليلْ
والرافدان تَفَرَّعا بين المدائنِ والحقولْ 
فالأرض خضراء بها الأشجار ميلاً بعد ميلْ
فتألَّقتْ أغصانها بالطير واللَّحن الجميلْ
فكأنما وهَبَتْ جنانُ الخلدِ سِحراً للوجودْ 
فيها استقر على جمالٍ لا تحدِّدُهُ حُدودْ 
وأفاق بين ربوعها بين الحشائش والورودْ
مَنَحَ الوجودَ خيالَهُ الممتدَّ والحُلُمَ الجديدْ
شعر/رشيد هاشم الفرطوسي