كنت قد ذكرتُ أن أحد الإخوة الكرام وجّه لي مجموعة من الأسئلة يبدو أنها وُجِهت له من قِبَل أحد المشككين في الإسلام. وقد قمت بالردّ على السؤال الأول والثاني وأدعو الله أن يوفقني للرد على السؤال الثالث هذا اليوم.

السؤال الثالث:
"قال تعالى: ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ) [ فصلت : 9 – 12 ] .

ففي هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السماوات سبعا.
السؤال: لقد اكتشف العلماء ان عمر الكون تقريبا 13.5 مليار عام وانا عمر المجموعه الشمسيه والارض 4.5 مليار عام اي ان الارض والمجموعه الشمسيه تشكلت بعد خلق الكون ب 9 مليار عام وهذا ما يناقض القران."
انتهى السؤال.

أقول والله المستعان: القرآن الكريم -كلام الله- هو الحقيقة المطلقة، وكلام المفسرين لا يعدو كونه محاولة لفهم آيات كتاب الله سبحانه.
أما كلام ما يسميهم السائل بالعلماء فهو لا يعدو أن يكون فرضياتٍ أو نظريات في أحسن الأحوال. ولا يصح بأي حال من الأحوال الإستعانة بالفرضيات أو النظريات لتفسير الآيات القرآنية، ولكن قد نستخدم الحقائق العلمية الثابتة لتوضيح آية معينة..
على سبيل المثال: يقول تعالى:"لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"
فلا بأس أن نستخدم حقيقة أن الأرض كروية للتدليل على أن الليل والنهار يحلّان في نفس الوقت، ففي اللحظة التي يحلُّ فيها الليل في مكان ما على سطح الكرة الأرضية، يحل النهار في نفس اللحظة في الجهة المقابلة لها من الأرض.

إنّ نظرتنا نحن المسلمين للكون هي بلا شك أوسع بكثير ممن سماهم السائل "العلماء"، فالكون عننا لا يشمل السماوات والأرض فقط بل يشمل السماوات وما بينها والأرض ويشمل غير ذلك الكثير. وأعظم مخلوقات الله وأكبرها على الإطلاق هو العرش وقد أطلق عليه رب العزة صفة "العظيم".
وبدون ادنى شك، سنختلف اختلافاً بيناً مع من سماهم السائل "العلماء" في تعريف كلمة الكون. إذ الكون في نظر أولئك العلماء لا يعدو السماء الدنيا وما تحتويه من أجرام لأنهم لا يعترفون بأي سماء أخرى.
الآية في سورة فصلت "قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين" لا تتحدث عن الأرض في مقابل الكون، بل تتحدث عن الأرض في مقابل السماوات.
وسأطرح المثال التالي -ولله المثل الأعلى- لتوضيح الأمر:
لنفترض أننا قمنا بإحضار لفة أو لفافة قماش ضخمة جداً من المصنع، ثم قمنا بأخذ قطعة صغيرة منها وصنعنا بها ثوبا. ثم قمنا بعد ذلك بصناعة سبعة مظلات ضخمة من باقي لفافة القماش. هنا نقول أننا صنعنا الثوب قبل المظلات رغم أن مادة الثوب والمظلات -لفافة القماش- كانت قد أخضِرت من المصنع في نفس الوقت.
يقول تبارك وتعالى في سورة الأنبياء:" أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا". فالله خلق السماوات والأرض متصلتين ثم تمت عملية الفتق والتعبير هنا عن فصل بمنتهى الدقة والإحكام والإبداع وليس فصلاً عشوائياً. ثم جاءت الخطوة التالية التي تحدث عنها آية سورة فصلت "
قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين" فبدأ تبارك وتعالى بالأرض فشكلها في يومين -إن جازت العبارة- وجعلها صالحة للحياة في يومين آخرين. ثم استوى سبحانه إلى الجزء المتبقي من السماء بعد فصل الأرض فسواهن سبع سماوات.

يقول الأخ السائل: السؤال: لقد اكتشف العلماء ان عمر الكون تقريبا 13.5 مليار عام وانا عمر المجموعه الشمسيه والارض 4.5 مليار عام اي ان الارض والمجموعه الشمسيه تشكلت بعد خلق الكون ب 9 مليار عام وهذا ما يناقض القران .
فأجيب كما كنت قد أسلفت: إن القرآن هو الحقيقة المطلقة الثابتة الخالدة، ومهما يقول أولئك العلماء لا يعدو كونه فرضيات أو نظريات ولن يرقى ان نسميه حقائق. فاليوم يقدرون عمر الكون -الذي نختلف عليه- ب 13.5 مليار عام وغداً يقدرونه برقم اخر، وهكذا…
إن اصطلاح "الإنفجار الكبير" الذي يطلقه ما يُسمّون بالعلماء لبدء الكون، لا يولد كونا متناسقا منسجماً، ونجوماً وكواكب، بل يولّد فوضى عارمة وأشلاء متناثرة.
وصدق الله إذ يقول :" مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا"
والله تعالى أعلم وأجل.

نجم رضوان