عارٌ يتساقط مع المطر على شوارع الوطن الذي تتحرك فيه القيادات الفلسطينية، وهنالك خلف القيود آلاف الأسرى الفلسطينيين، منهم 126 أسيراً مضى عليهم أكثر من عشرين عاماً في السجون "الإسرائيلية"، عارٌ ينصب خيمته على أبواب مجالس الوزراء الذين يركبون سياراتهم الحكومية، ويغادرون اجتماع مجلس الوزراء بعد أن استمعوا إلى تقرير وزير شئون الأسرى والمحررين عن أحوال سبعة آلاف أسير فلسطيني. عارٌ ينزف خجلاً على جبين كل ضابط أمن فلسطيني ينام آخر الليل مع زوجته، ويبثها كلمات الحب والغزل، ولا ينكس رأسه بين يديها حين يسمع أن 27 أسيراً فلسطينياً مضى على اعتقالهم أكثر من خمسة وعشرين عاماً، دون أن تستطيع الثورة الفلسطينية أن تقدم لهم أكثر من مساعدة مالية، وعدد من السجائر، وبعض أكياس التمر، والحلويات في المناسبات الوطنية.

فأي مفخرة لثورة فلسطينية تعجز بعد ثلاثين عاماً عن تحرير أسراها، بل وتحتفل بصمودهم خلف الأسوار، وتتغنى بالنصر، في الوقت الذي يتقدم فيه أعضاء اللجنة التنفيذية بأوراقهم الشخصية إلى عدونا كي يأذن لهم بالسفر عبر الجسر، والتنقل بين المدن! أفلا تخجلون؟ أفلا تتجرؤون على غمس أياديكم في السكن الأسود، والتعفير على رؤوسكم، وندب خيبتكم، واللطم على أصداغكم بالمهانة والخزي؟.

أي ثورة فلسطينية هذه التي لا تفكر ليل نهار في تحرير أسراها؟ ويرتضي أعضاء لجنتها التنفيذية المرور من تحت العلم "الإسرائيلي"، والعبور مطأطئين أمام فوهة الرشاش "الإسرائيلي"؟ أي سلطة فلسطينية هذه التي تمارس الحب العفيف مع المجتمع الدولي، وتغلق على نفسها الغرف مع "الإسرائيليين"، ولا تنجح في فك أسراها بعد عشرات السنين؟

الثورة بمعانيها البدائية تعني التمرد، ورفض الخنوع، وعدم الخضوع للأمر الواقع، ورفض النمط السائد الذي يقهر الثائرين، فيعملون بالقوة على تدميره، وانتهاك حرمته، ونسج واقع جديد من دم الثوار يتواءم مع طموحات الأحرار.

فأين الثورة الفلسطينية من ذلك، وهي التي تساوقت مع الواقع الذي أفرز اتفاقيات أوسلو، بل وترك رجال الثورة يعدون الساعات والثواني خلف السور "الإسرائيلي"، وهم يقولون لنسوة فلسطين مع الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح:

لا تنتظرن، وابصقن في وجوه في عمائم الرجال الواقفين في انتظار عودة الشهيد، كي يغسل الديار من أحزانها، لكي يموت من جديد.

في المؤتمر الذي عقد في الجزائر لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال، وقف الأسير سمير القنطار الذي تحرر من السجون "الإسرائيلية" بعد ثلاثين عاماًٍ، إثر الحرب على لبنان، فقال: من العار على أي ثورة أن تترك رجالها في السجون ثلاثين عاماً، وتغني للنصر، ومن غزة أضيف: بل يجب أن يحاكم قادة هذه الثورة، مثلما حاكمت الثورة ذات يومٍ من اشتبهت في تعاملهم مع رجال الأمن "الإسرائيلي"، فحكمت عليه بالإعدام لمجرد الشبهة.
بقلم:د.فايز أبو شمالة