" أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين"

شبه الله تعالى نصيب المنافقين- مما بعث الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم – من النور والحياة بنصيب أصحاب الصيب -وهو المطر الذي يينزل من السماء – فشبه اللهُ الهدى الذي هدى به عباده بالصيب، لأن القلوب تحيى به حياة الأرض بالمطر، ونصيب المنافقين من هذا الهدى شبههُ بنصيب من لم يحصل له من الصيب إلا ظلمات ورعد وبرق. ولا نصيب له – فيما وراء ذلك – مما هو المقصود بالصيب- من حياة البلاد، والعباد، والشجر، والدواب. فالجاهل – لفرط جهله- يقتصر على الإحساس بما في الصيب من ظلمة ورعد وبرق ولوازم ذلك من برد شديد، وتعطيل المسافر عن سفره، وصانع عن صنعته ولا بصيرة له تنفذ إلى ما يؤول إليه أمر ذلك الصيب من الحياة والنفع العام. وهكذا شأن كل قاصر النظر، ضعيف العقل، لا يجاوز نظره الأمر المكروه الظاهر إلى ما وراءه، وهذه حال أكثر الخلق، إلا من صحت بصيرته. فإذا رأى ضعيف البصيرة ما في الجهاد من التعب، والتعرض لإتلاف المهجة، والجراحات الشديدة، لم يقدم عليه، لأنه لم يشهد ما يؤول إليه من العواقب الحميدة، والغايات التي إليها تسابق المتسابقون. وكذلك من عزم على سفر الحج إلى البيت الحرام، فلم يعلم – من سفره ذلك – إلا مشقة السفر، ومفارقة الأهل والوطن، ومقاساة الشدائد، وفراق المألوفات، ولا يجاوز نظره وبصيرته آخر هذا السفر، ومآله، وعاقبته – فإنه لا يخرج إليه، ولا يعزم عليه. وحال هؤلاء، حال الضعيف البصيرة والإيمان، الذي لا يرى في القرآن إلا الوعيد، والزواجر والنواهي، والأوامر الشاقة على النفوس.

والله تعالى أعلم وأجل.